يتراوح عدد الغدد العرقية ما بين اثنين إلى أربعة ملايين غدة في الشخص العادي، تنتشر في أجزاء الجسم المختلفة، وتتمثل وظائفها الرئيسية في إفراز المواد التي تسهم في تنظيم درجة الحرارة، عند ممارسة الأنشطة الرياضية أو بذل المجهود البدني، أو في حالات التوتر والخوف، وتُعد الآلية الأساسية التي يتبعها الجسم للتبريد الذاتي، ويعاني بعض الأشخاص فرط التعرق وزيادة إفراز كميات كبيرة من العرق في مناطق اليدين، القدمين، الإبطين، ولا يوجد حتى الآن سبباً محدداً للإصابة، ولكن يمكن أن تزيد بعض العوامل من ظهور الأعراض، التي تؤثر بشكل سلبي عضوياً واجتماعياً ونفسياً في المصاب، وفي السطور القادمة يسلط الخبراء والاختصاصيون الضوء على هذا المشكلة وكيفية الحد من مضاعفاتها والطرق العلاجية للسيطرة عليها.
تقول د. إيمان قطب أخصائية الأمراض الجلدية، أن الغدد العرقية مسئولة عن إنتاج وإفراز مواد على سطح الجلد، وهناك منها نوعان رئيسيان يختلفان في تركيبهما ووظيفتهما، تتمثل وظيفة النوع الأول في تنظيم درجة الحرارة وإزالة النفايات عن طريق إفراز الماء وأملاح الصوديوم والنفايات النيتروجينية (اليوريا) التي توجد فوق طبقة الجلد، وتتوزع في جميع أنحاء الجسم البشري بكثافات متفاوتة، وتتركز على الأكثر في اليد والقدم ثم على الرأس، وتكون بعدد أقل في الجذع والأطراف.
وتتابع، الغدد العرقية من النوع الأول هي أنابيب يتم فيها إنتاج العرق، ثم تنقل إلى سطح الجلد، خلال أنبوب طويل مجوف، ينتهي بشكل الكرة المتعرجة، وتقع هذه الغدد في منطقة الأدمة من البشرة، ويتم إفراز العرق في هذا الجزء المتعرج، وتنتشر فتحات صغيرة على الجلد تسمى المسام، ينفذ من خلالها العرق، ولذلك يُعد التعرق هو الآلية التي يتبعها الجسم للتبريد الذاتي.
وتضيف، أما النوع الثاني من الغدد العرقية فيطلق عليه الأبوكرين، ويكون على الأغلب في مناطق محدودة من الجسم، مثل: الإبط وحول منطقة الشرج.
تشير د. إيمان قطب إلى أن الإصابة بفرط التعرق تنقسم إلى نوعان، وهما:
1- فرط التعرق الأولي الذي يصيب الأشخاص منذ الطفولة أو المراهقة، في أغلب الحالات يحدث نتيجة العوامل الوراثية، وينتج عن فرط نشاط مركز المهاد الحراري في المخ وينتقل عن طريق الجهاز العصبي الودي إلى غدد التعرق، وتشمل المسببات أيضاً: الطقس الحار، ممارسه الرياضة، الحمى، القلق، الأطعمة الحارة.
2- فرط التعرق الثانوي الذي يُعد الأقل شيوعاً، ويمكن يصيب الأشخاص في أي عمر، وينقسم إلى فرط التعرق الثانوي الموضعي الذي يستهدف مناطق الإبطين أو القدميين والكفيين أو الوجه، وفرط التعرق الثانوي العام الذي يؤثر على معظم أو كل الجسم.
- مضاعفات
ترى د. تحريم كاشف أخصائية الأمراض الجلدية، أن فرط التعرق من المشكلات التي ترتبط بشكل أساسي بالجينات الوراثية، أما فرط التعرق الثانوي فتزيد فرص الإصابة به في حال وجود بعض الأمراض، مثل: فرط نشاط الغدة الدرقية، نقص سكر الدم، ارتفاع درجة حرارة الجسم، القلق والتوتر، الحمل أو بعد انقطاع الحيض، الالتهابات، زيادة الوزن المفرطة، الشلل الرعاش، أورام الدم، سرطان الغدد الليمفاوية، أو يكون ضمن الآثار الجانبية للأدوية، والصدمات.
تبين د. تحريم كاشف، أن المضاعفات التي تنجم عن فرط التعرق تُزعج المريض نفسياً واجتماعياً وبدنياً، حيث تتسبب هذه الحالة في: التعب، وعدم القدرة على أداء الأنشطة اليومية، والتهابات الجلد، ورائحة الجسم الكريهة والإجهاد النفسي.
وتضيف، تؤدي بعض العادات في زيادة التعرق وخاصة في الصيف، مثل: تقليل استهلاك المياه وتناول الأطعمة الغنية بالتوابل وشرب الكافيين والكحول، ارتداء الملابس ذات الألوان الداكنة، والضيقة، وزيادة النشاط البدني في الطقس الحار.
توضح د. تحريم كاشف، أن طرق التداوي الرئيسية، كمضاد للعرق بوصفة طبية من الطبيب، والعقاقير المضادة للأعصاب (مضادات الكولين)، مضادات الاكتئاب، وحقن توكسين البوتولينوم، والرحلان الشاردي، وهو إرسال تيارات كهربائية خفيفة عبر الماء وإلى الجلد للحد من التعرق الزائد.
وتنصح بضرورة الالتزام بمجموعة من السلوكيات لتجنب التعرق الزائد في الصيف، وأبرزها: تغييرات نمط الحياة، الحفاظ على برودة وترطيب الجسم، واستخدام مضادات التعرق بدلاً من مزيلات العرق، الحد من شرب الكحول وإضافة الأطعمة الغنية بالتوابل إلى الوجبات اليومية، عدم ارتداء الملابس السوداء والداكنة، حيث أن الألوان الفاتحة والبيضاء والخفيفة يمكن أن تساعد على تقليل التعرق، ارتداء ملابس فضفاضة وخفيفة، عدم ممارسة مجهود في ساعات الذروة في الصيف، القيام بتمارين التأمل والتنفس واليوجا.
- اختبار يكشف المشكلة
يتم الكشف عن حالات فرط التعرق في عيادة الطبيب، عن طريق الفحص السريري والاطلاع على التاريخ الطبي والأعراض، والقيام ببعض إجراءات التشخيص لاستبعاد الإصابة مشكلات طبية أخرى مثل: أخذ عينات من الدم والبول، فحص وظائف الغدة الدرقية، نسبة السكر في الدم، فحص هرمون الأدرينالين الذي تنتجه الغدة الكظرية.
وجدت الأبحاث العلمية أن فرط التعرق من المشكلات الشائعة بين الأشخاص في أي مرحلة عمرية، ولكنها تظهر على الأكثر بين عمر 25 إلى 60 سنة، وتبلغ الإصابة نحو 3% من سكان العالم، وتعتبر الجينات الوراثية سبباً رئيسياً عند 35% من المصابين، ويعتمد تشخيص هذه الحالة ودرجة شدتها بشكل أساسي، على عمل اختبار التعرق منظم الحرارة الذي يتم عن طريق تطبيق مسحوق حساس للرطوبة على الجلد في درجة حرارة الغرفة الطبيعية، ويتغير لون المسحوق مع وجود التعرق الزائد، ثم يتعرض المصاب لدرجة حرارة ورطوبة مرتفعة في مكان خاص لتحفيز العرق في كل الجسم لقياس مدى شدته.