- «الخارقة والمثالية»
تلعب كبرى شركات الإنتاج الأمريكية على حب الأجيال الفتية لأبطال تصنعهم خصيصاً لشغل تفكير الصغار والمراهقين بالنماذج الأمريكية «الخارقة والمثالية»، وتشتعل المنافسة الشرسة بين شركتي «مارفل» و«دي سي» لاستمالة الجمهور نحو الشخصيات الخارقة التي تتباهى كل شركة بإطلاقها في أعمال سينمائية تبلغ تكلفة إنتاجها مئات ملايين الدولارات؛ ولكسب أكبر عدد من المشاهدين تجمع الشركة مجموعة أبطال في فيلم واحد، كما تفعل «مارفل» (التابعة لديزني) بجمعها بين «ديدبول» و«ولفرين» في هذا الفيلم، ولا يقتصر الأمر عليهما فقط، بل تملأ الساعتين وثماني دقائق من مدة عرض الفيلم بضيوف (مثل كابتن أمريكا) يأتون من أزمنة و«عوالم» مختلفة، فيتضامن بعضهم ويتقاتل بعضهم الآخر ويكسب الجمهور رؤية أبطاله المحبوبين في معركة واحدة وفيلم واحد.
كل تلك الحالة ليست جديدة، وكنا نحسب أن «ديدبول وولفرين» سيكون إضافة، وأقبل عليه الجمهور متأملاً بالمزيد من المتعة التي يستطيع المخرج شون ليفي تقديمها وربما تكون بصمة مختلفة يستغل فيها كل التقنيات الحديثة والمتطورة، خصوصاً أن ميزانية الفيلم تجاوزت ال 200 مليون دولار أمريكي، وهو العمل الذي جعل النجم هيو جاكمان العودة عن قراره اعتزال شخصية ولفرين التي جسدها في السينما تسع مرات، ويُقال إنه اعتزل الشخصية بعد فيلم «لوجان» عام 2017، لذلك يتوقع الجمهور أن يكون الفيلم الحالي شديد التميز كي يغري جاكمان بالعودة! فهل تحقق هذا التميز؟ وهل فعل خيراً جاكمان بقرار العودة؟.
- 900 مليون دولار
صراحة، ليته لم يفعل، فالفيلم سقطة حتى ولو حقق إيرادات تجاوزت ال 900 مليون دولار عالمياً، فشل من ناحية القصة والحوار ولم يقدم ما يمكن اعتباره جديداً وغير مألوف في إخراج مثل هذه النوعية من الأعمال. بطل الفيلم رايان رينولدز انطلق من الشخصيات التي ابتكرها كل من روب ليفيلد وفابيان نيكيزا ليكتب قصة من تأليفه بالاشتراك مع ريت ريس وبول ويرنيك وزيب ويلز والمخرج شون ليفي، بطلها الأول والرئيسي «ديدبول» الشخصية التي سبق أن لعبها رينولدز، منه تنطلق الأحداث ومن خلاله تتطور وهو محركها الأساسي؛ لا ننكر أن بداية الفيلم مختلفة ومميزة، كوميدية مضحكة وراقصة تجعلك تتوقع ترفيهاً لذيذاً ينضم إلى التشويق والأكشن لاحقاً، لكن توقعك يكون في غير محله، إذ سرعان ما تنتهي المقدمة التي يبتكر المخرج ليفي تقديم أسماء فريق العمل مكتوبة على عظام «ولفرين» المتطايرة هنا وهناك، وكل شيء بالأبيض والأسود والرمادي ما عدا ديدبول ببذلته الملونة بالأحمر والأسود.. بعد المقدمة ندخل في سرد طويل بصوت البطل وايد ويلسون المعروف بديدبول (رايان رينولدز) يحكي ما آلت إليه أحواله، إلى أن يلتقي السيد هوجان (جون فافرو) ويطلب منه أن يكون أحد «المنتقمين» المعروفين بمجموعة «أفنجرز»؛ الحوارات كثيرة وطويلة تأخذك في متاهات خصوصاً أن الكلام سريع بين الشخصيات، تتوه وتصل إلى الملل أسرع من وصول البطل إلى تحقيق أمنياته وأهدافه!.
- اشمئزاز واستغراب
الغريب أن الفيلم يعتمد بشكل كبير على الألفاظ البذيئة والإيحاءات غير اللائقة رغم أنه لا يتضمن أي مشهد لأي علاقة، حتى أسلوب القتال وأماكن توجيه الضربات غير عادية ولا أخلاقية، فيصيبك بالاشمئزاز والاستغراب فتتساءل فوراً ما الهدف من كل تلك الإيحاءات والرسائل المبطنة؟ ولا تغيب المثلية طبعاً عن تلك المشاهد والرسائل غير المباشرة، فلمن يتوجّه وأي جمهور يخاطب؟ مبالغة تسقط «ديدبول» ورينولدز من نظرك، فتشعر وكأنك تشاهد فيلماً لا يصلح إلا لفئة محددة من الجمهور، رغم أن تصنيفه العالمي «أر» أي أن «من هم دون ال17 بحاجة لمرافقة من قبل الوالدين أو شخص بالغ»، وهو في نظرنا لا يصلح أبداً للأطفال ولا للمراهقين خصوصاً أنه يمر أيضاً على «تعاطي الكوكايين» مروراً مبطناً في كلمات سريعة وصريحة!.
في أحد مشاهد منتصف الفيلم، يجد البطلين نفسيهما منتقلين بالزمن إلى أرض منكوبة، وكأنها تحولت إلى صحراء فيها بقايا من لوحات تحمل علامات تجارية لشركة «توينتث سنتشري فوكس» التي انضمت إلى مارفل وكذلك «كولومبيا»، وشعار «مارفل» نفسه.. وكأن معركة طوت عمالقة هوليوود، في إشارة إلى ديزني التي ضمت معظم الشركات تحت جناحيها.
بعد مرور نصف ساعة تقريباً على الفيلم، وأنت تحاول التقاط الإشارات الصحيحة لتفهم ما الذي يحصل، يتم إرسال وايد في مهمة تمتد عبر عوالم متعددة، وكالعادة «من أجل إنقاذ العالم»! وينتهي به الأمر إلى تكوين فريق مع ولفرين، يمر وايد بأزمنة مختلفة وترى نهايات مختلفة لولفرين، ومن هنا تعيش مع الفيلم داخل فكرة أن الشخصيات تعيش أكثر من حياة، وأنها تموت وتعود في أزمنة مختلفة، وأن هناك من يستطيع التحكم بالزمن فيعيد الماضي ويسبق المستقبل ويغير في مصاير الناس والأبطال.. لذلك يضعك الفيلم أمام حقيقة أن لا تحزن على أي بطل وأي شخصية سواء كانت طيبة أم شريرة تموت، لأن صناع السينما في هوليوود سيحيونها بأي طريقة وبأي شكل غير عابئين بكيفية إقناعك بأن ما تراه ليس ضحكاً على عقلك وليس استخفافاً بك وبذكائك..
ينتهي الأمر بالثنائي في مكان يشبه السجن وتحكمه كاساندرا نوفا (إيما كوروين)، الأخت التوأم لتشارلز كزافييه، المكان ممتلئ بالحطام والآثار، ويبدو أن جميعها مأخوذة من أفلام أصدرتها ديزني وتونتيث سينتشري فوكس.
- التفاصيل كثيرة
لن نأخذك في متاهات وخرافات الفيلم، فالتفاصيل كثيرة والأكشن كثير، نستغرب في كل تلك المعارك تحويلها إلى شديدة الدموية، على عكس أفلام الأكشن السابقة التي كانت غنية بالمعارك القتالية لكنها خالية من المشاهد المنفّرة والمقززة كي تبقى صورة الأبطال الخارقين جميلة في عيون محبيهم. وإذا كانت القصة الرئيسية للفيلم تدور حول البعث الحقيقي والمجازي، إلا أنك تجد نفسك أمام عبث وفوضى لا تستطيع المعارك والأكشن مهما بذل المخرج من مجهود لجعلها تبدو خارقة ومهما استخدم فيها من تقنيات متطورة، لا تستطيع كسب ودك وجعلك مشاهداً سعيداً أو راضياً عن هذا الكمّ من الانحدار في التأليف والنص والحوارات الطويلة والرسائل اللاأخلاقية.