اقترن اسم دبي بالابتكار، والتفكير خارج الصندوق، والرؤية المذهلة التي لا تتوقف عند حدود، أو تحد نفسها بسقف. وهذا جاء نتيجة مسيرة حافلة بالتجارب النوعية، التي تغلبت على منعطفات وتحديات عديدة، شهدها العالم، وألقت بظلالها على المنطقة.
ومن يراجع تاريخ دبي، يكتشف أن «الابتكار» و«التفكير خارج الصندوق» و«الرؤية الاستشرافية» والرهان على المستقبل، كانت على الدوام حاضرة في فكر ونهج القيادة.
ولعل كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»، التي يسرد فيها مسيرة الإمارة عبر مختلف المحطات التاريخية تؤكد ذلك.
ويمكن لأي إنسان يتأمل هذه العبارات المتكررة («الابتكار» و«التفكير خارج الصندوق» و«الرؤية الاستشرافية») أن يحدس أنها عناوين رئيسة في لائحة «قيم دبي». أصيلة، وراسخة، وحاضرة في كل محطات مسيرتها. كما يمكن ملاحظة أن هذه العناوين تبني متفرقة ومجتمعة مفهوماً مركزياً، يمكن التعبير عنه بكلمة واحدة: «الإبداع».
لقد اعتمدت دبي طوال مسيرتها التنموية، وفي صنع نموذجها الفريد، على الإبداع، هذه الطاقة الهائلة، التي هي في الواقع أهم مصدر متجدد ومستدام للطاقة. وقد حظيت وعلى الدوام، بقيادة ارتقت بهذه المفاهيم.
وهنا، يجدر الانتباه إلى أن ارتباط دبي التاريخي بالإبداع، وجد تجسيده بارتباط الفكر القيادي في دبي، نفسه، بصنوف الإبداع، ولا سيما الشعر؛ فلم تكن مصادفة أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هو شاعر مكرس، وصاحب منظوم فتح له القلوب، ومنحه نعمة مخاطبة الإحساس والتأثير به.
كما أنها لم تكن محض مصادفة أن سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، هو بدوره شاعر يتسيد بحور الكلمة، ويمسك بناصية القوافي.
وهذا الارتباط التاريخي بين الفكر القيادي في دبي والإبداع، بالاقتران مع الرؤية التي تعتمد الابتكار وتفكر خارج الصندوق وتستشرف المستقبل، أحدث نقلة نوعية في النظرة العامة للثقافة والفنون وبقية صنوف الإبداع الإنساني، وأسس لوعي عصري يربطها بالتنمية، من خلال التأكيد على أثرها الاقتصادي في الحياة، وأقرها، واعتمدها، قطاعاً اقتصادياً أصيلاً، له استراتيجيته الخاصة، وتشريعاته الناظمة، وتسهيلاته المحفزة.
وفي هذا المجال، تكاملت رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في مسارات تضافرت لتؤسس لمنظومة شاملة، بثلاثة أركان: الإنسان، والإبداع، والأعمال.
محطات في الطريق
في الواقع، لم يكن الإبداع يوماً بعيداً عن اهتمام القيادة الرشيدة. ولكن هذا الاهتمام سجل طفرات نوعية في السنوات الماضية، ليحقق إنجازات مذهلة. وعليه، فإن من الأهمية بمكان استعراض أهم محطات هذا الاهتمام ومنجزاته:
مطلع سبتمبر العام 2019، وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بتعيين سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة لهيئة الثقافة والفنون في دبي، «دبي للثقافة».
في أبريل عام 2021، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي التي تستهدف مضاعفة مساهمة القطاع الإبداعي في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي من 2.6 % في نهاية 2020 إلى 5 % خلال خمس سنوات.
كما تتضمن الأهداف، مضاعفة عدد الشركات والمؤسسات الإبداعية والثقافية العاملة في القطاع الإبداعي من 8300 إلى 15 ألف شركة ومؤسسة بحلول 2025، وهو ما سيؤدي بدوره إلى مضاعفة عدد الوظائف التي يوفرها القطاع الإبداعي من 70 ألف وظيفة إلى 140 ألف وظيفة.
في مايو الماضي، وبتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، اعتمد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، «استراتيجية جودة الحياة في دبي حتى العام 2033»، وفيها أكثر من 200 مشروع ومبادرة وخطط داعمة، سيتم تنفيذها على ثلاث مراحل في الفترة من 2024 حتى 2033، وتشمل 10 محاور رئيسة تـعنى بجودة الحياة، يتصدرها محور الثقافة والترفيه.
مطلع يونيو الماضي، تصدّرت دبي مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الثقافية والإبداعية لعام 2023، وذلك وفقاً لتقرير «إف دي آي ماركتس» الصادر عن فايننشال تايمز، ولتصنيف بيانات «مجموعة الصناعات الإبداعية» التابع للتقرير ذاته، حيث حافظت دبي على مكانتها كأفضل وجهة عالمية لخلق فرص العمل وتدفقات رؤوس أموال المشاريع في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية من بين 115 مدينة تم تصنيفها ضمن التقرير، متفوقةً على مدن عالمية مهمة مثل: لندن، ونيويورك، وسنغافورة.
وهذا النجاح، جاء منعكساً في بيانات مرصد دبي للاستثمار الأجنبي، الصادرة عن دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي، التي أكدت أن الإمارة نجحت في استقطاب 898 مشروعاً في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية خلال عام 2023، ما يعادل نحو ضعف الرقم المسجل في العام السابق بواقع 451 مشروعاً، فيما جاءت الترجمة المالية لذلك من خلال ارتفاع إجمالي تدفقات رؤوس أموال مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع إلى 11.8 مليار درهم (3.21 مليارات دولار)، بزيادة نسبتها 60 % ، وخلق 21563 فرصة عمل جديدة من خلال هذه المشاريع في العام ذاته، ما يمثل زيادة بنسبة 74 % مقارنةً بعام 2022.