بعد مرور نحو 300 يوم على بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبدو صورة العالم، وفقاً للرئيس وأنصاره، أكثر استقراراً وقوة مما كانت عليه من قبل، على الأقل من منظور المصالح الأمريكية، لكن هذه الرواية، كما يشير السفير الأمريكي السابق لدى حلف الناتو إيفو دالدر في مقال بموقع بوليتيكو، لا تعكس الصورة كاملة، بل قد تُخفي وراءها تعقيدات وتناقضات جوهرية.
تحالفات تحت الضغط
يؤكد ترامب أن سياسته تجاه أوروبا حققت نجاحاً غير مسبوق، إذ دفع الحلفاء لزيادة إنفاقهم الدفاعي وتحمل نصيب أكبر من دعم أوكرانيا وشراء مزيد من الأسلحة الأمريكية، وبالفعل رفعت واشنطن إنفاقها الدفاعي هذا العام بنسبة 13% ليصل إلى تريليون دولار، فيما التزم حلفاء الناتو بإنفاق 5% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، وهي نسبة تتجاوز ما تنفقه الولايات المتحدة نفسها.
لكن خلف هذه الأرقام واقع مختلف، فالدول الأوروبية لم ترفع إنفاقها استجابة لقيادة أمريكية ملهمة، بل خوفاً من أن تتخلى واشنطن عن التزاماتها تجاه الحلف بعد تهديدات ترامب المتكررة بالانسحاب أو وقف تفعيل المادة الخامسة الخاصة بالدفاع الجماعي.
ويبرز هذا التحول أيضاً في تعامل ترامب مع أوكرانيا، إذ أوقف الدعم العسكري والاقتصادي عنها، ودفعها للقبول باتفاقات تمس مواردها الطبيعية مقابل مساعدات كانت تُقدم سابقاً دون شروط، كما حاول فرض اتفاق ينطوي عملياً على استسلام كييف لروسيا، ولم يوافق على إرسال السلاح إلا بعد أن تحملت أوروبا التكلفة كاملة.
صناعة السلام… أم تعليق الصراعات؟
يقدّم ترامب نفسه باعتباره “صانع سلام”، ويُفاخر بأنه “أنهى ثماني حروب في ثمانية أشهر”، وفي الشرق الأوسط، نجح بالفعل في دفع إسرائيل وحركة حماس إلى التوصل لوقف إطلاق النار، وإعادة جميع الرهائن الأحياء، لينهي بذلك أطول وأعنف حرب خاضتها إسرائيل.
غير أن هذا الإنجاز، لا يمثل سلاماً دائماً. فالفجوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين أعمق من أي وقت مضى، واحتمالات تجدد المواجهات قائمة بقوة، كما أن العديد من الاتفاقات التي توسط فيها ترامب حول العالم لم تصمد؛ فالهند وباكستان ما زالتا على حافة الاشتباك، وكمبوديا وتايلاند علّقتا اتفاقهما خلال أقل من شهر من توقيعه، أما رواندا والكونغو فلا تطبقان البنود التي وقّعتا عليها في واشنطن.
تجارة عالمية مقلوبة
على الصعيد التجاري، أعاد ترامب رسم المشهد العالمي مستنداً إلى الرسوم الجمركية والضغط الاقتصادي، ففرض فتح أسواق كانت مغلقة أمام السلع الأمريكية، وفرض رسوماً على دول تريد الوصول إلى السوق الأمريكية، وقدم هذا كله باعتباره استراتيجية لإعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة.
لكن التغيير لم يحقق استقراراً اقتصادياً دائماً، فحرب الرسوم الجمركية مع الصين توقفت عند “هدنة غير مريحة”، فيما لم تُبرم الاتفاقات التجارية الكبرى التي روّج لها ترامب، مثل الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ولا توجد ضمانات بأن أوروبا أو اليابان أو كوريا الجنوبية ستنفذ الوعود التي أعلن عنها ترامب في هذا السياق، واضطر الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي إلى التراجع عن رسوم فرضها على مئات السلع الغذائية إثر تصاعد السخط الداخلي بسبب ارتفاع الأسعار.
هدم أكثر من البناء
يقول دالدر إن ترامب كان أكثر قدرة على تفكيك النظام العالمي الذي بناه أسلافه من قدرته على بناء نظام بديل، فبالرغم من أن النظام الحالي كان بحاجة إلى إصلاح، فإن هدمه دون تصور واضح لما سيحل مكانه ينطوي على مخاطر باهظة سيدفع ثمنها الأمريكيون قبل غيرهم.
![]()
