
التنافس التكنولوجي بين القوى العظمى، دخل مرحلة جديدة بعد حرب الرقائق الإلكترونية، و«حرب السيليكون»، حيث دخلت البشرية إلى منعطف جديد، قدمته الفيزياء الكيميائية، هو «التكنولوجيا الكمومية» (Quantum Technologies)، والتي أخرجت للنور «الكمبيوتر الكمي» بقدرات هائلة قد لا يتصورها عقل.
ويكفي أن نقول حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، يقول على موقعه الرسمي «نظراً للتأثيرات المحتملة للتكنولوجيا الكمومية الجديدة على مجالات الدفاع والأمن، فقد حددها الحلف باعتبارها إحدى تقنياته الرئيسية الناشئة والمدمرة».
وبعيداً عن النواحي العلمية المعقدة، فإن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ، وفقاً لتقرير نشرته إذاعة صوت أمريكا، من التقدم الصيني في مجال التكنولوجيا الكمومية.
ما هو «الكمبيوتر الكمومي»؟
بطبيعة الحال، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن، هو سؤال جوهري: ما هو «الكمبيوتر الكمومي»؟
الدكتورة غادة عامر وكيلة كلية الهندسة بجامعة بنها، زميلة ومحاضرة بكلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، شرحته قائلة: «العالم شهد تغييراً مذهلاً في بالمجال التكنولوجي، فهناك طفرة كبيرة تتعلق بميكانيكا الكم، وهي طفرة كانت بمثابة تحول كبير في مجال التكنولوجيا، من خلال الميكانيكا الكمومية، عبر الإلكترونيات والذرات».
وأضافت في تصريحات خاصة: «من هنا ظهر الكمبيوتر الكمي، وبينما يعمل الكمبيوتر المعتاد، على استخدام النظام الثنائي من خلال الرقمين (0)، و(1)، فإن الكمبيوتر الكمي يستخدم الإلكترونيات والذرات.. وهذا يعني قدرة فائقة في نقل ومعالجة البيانات».
إمكانات وقدرات خرافية
واستطردت قائلة: «وللتبسيط وتوضيح مدى قدرات الكمبيوتر الكمي، فإن عملية واحدة يجريها الكمبيوتر الكمي تحتاج إلى 9 آلاف سنة ليتمكن الكمبيوتر المعتاد من القيام بها، وهذا يوضح مدى السرعة والقدرة الرهيبة للكمبيوتر الكمي».
وبالفعل فقد أعلن باحثو غوغل أن كمبيوتر «سيكامور» Sycamore الذي صنعوه بأساليب الفيزياء الكمومية، يستطيع في غضون 200 ثانية، إنجاز مهمة قد تستغرق نحو 10 آلاف سنة عبر الكمبيوتر التقليدي.
ولفتت وكيلة كلية الهندسة بجامعة بنها إلى أنه بسبب هذه القدرات الهائلة، فإن الكمبيوتر الكمي «تتنوع استخداماته في المجالين المدني والعسكري، حيث يستخدم في إجراء عمليات الحسابات السريعة والصعبة والمعقدة، مثل مجالات الذكاء الاصطناعي، ومعالجة التشفير، ولذا يستخدم في مجالات الفضاء والمجالات المعقدة والحيوية».
وذكر تقرير إذاعة صوت أمريكا، أن المحللين يرون أن التقدم الصيني في مجال تكنولوجيا الكم، أدى إلى قلق لدى الآخرين من أن ذلك التقدم ستستخدمه الصين في مجال الحوسبة الكمومية، أو ما يعرف بـ«الكمبيوتر الكمي»، ما يوفر لها دفعة هائلة في قوتها العسكرية، خاصة أنها تعد حالياً بالفعل في المرتبة الثالثة عالمياً في ترتيب القوى العسكرية عالمياً.
القدرات العسكرية
وذكر التقرير أن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أوضح في ورقة نشرها في عام 2019، وجود استخدامين عسكريين رئيسيين للحوسبة الكمومية؛ حيث لديها القدرة على فك تشفير الرسائل، واعتراض الرسائل المشفرة بشكل كان يعتقد أنها آمنة.
كما أوضح نقلاً عن كبيرة محللي الأبحاث، في شركة أبحاث السوق (IDC) في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، هيذر ويست أن «التكنولوجيا الكمومية بإمكانها المساعدة في الكشف عن أماكن المركبات الشبحية العسكرية المختلفة، كالغواصات والطائرات، وأن الحوسبة الكمومية لديها القدرة على الكشف عن أغوار قدرات الجيوش الأخرى».
ولتوضيح أهمية التكنولوجيا الكمومية، كتب ميشيل فان أميرونغين (عمل سابقاً في وحدة الابتكار في قسم التحديات الأمنية الناشئة بحلف الناتو، ويعمل حالياً مستشاراً استراتيجياً في Monitor Deloitte في هولندا) مقالاً مهماً نشره موقع حلف الناتو، قال فيه «الثورة الكمومية الثانية» تحدث الآن، وتتيح تطوير تقنيات جديدة وثورية، ستوفر قدرات عميقة للأغراض المدنية والعسكرية.
استخدامات مدنية
وتابع أميرونغين: «توفر التكنولوجيا الكمومية إمكانات هائلة.. منها الاستشعار الذي يوفر إمكانات تحويلية لتكنولوجيا القياس والكشف، وهي لا تتيح قياسات أكثر دقة وحساسية فحسب، بل تفتح أيضاً إمكانات لقياس الأشياء التي لم نتمكن من قياسها من قبل. وعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة الاستشعار الكمومية أن تسمح لنا برسم الخرائط تحت الأرض، وتوفير أنظمة الإنذار المبكر للانفجارات البركانية».
واعتبر أن «التكنولوجيا الكمومية توفر العديد من الإمكانات للاستخدامات المدنية، مثل محاكاة الأنظمة الفيزيائية لاكتشاف الأدوية وتصميم مواد جديدة، وحل مشاكل التحسين المعقدة في سلسلة التوريد واللوجستيات والتمويل، بخلاف الذكاء الاصطناعي».
القدرات الصينية
وكان تقرير البنتاغون لعام 2021، والذي قدمه للكونغرس، قد أشار إلى الغموض حول مدى التقدم الذي نجح باحثو الصين في الوصول إليه في مجال الحوسبة الكمومية، إلا أن تقريراً أوضح أن الصين تواصل سعيها من أجل الريادة في التكنولوجيات الحيوية ذات القدرات العسكرية المتقدمة.
وكانت وكالة سبونتيك الروسية قد أعلنت في أواخر العام الماضي، أن مجموعة بحثية صينية متخصصة في الكمبيوتر الكمومي، أعلنت التوصل إلى كمبيوتر صيني جديد أسرع بـ10 مليارات مرة من قدرات الكمبيوتر الكمومي لشركة غوغل.
كما ألمح تقرير البنتاغون إلى أن الخطة الخمسية رقم 14 للصين، وهي خطط اقتصادية عديدة، تعطي أولوية كبيرة للتكنولوجيا الكمومية، ضمن مجالات أخرى، كما أنها تعتزم الحصول على أقمار اصطناعية مشفرة باستخدام التكنولوجيا الكمومية، وقدرات عالمية في مجالات الاتصالات أيضاً من خلال التكنولوجيا الكمومية، وذلك في عام 2030.
وقال الأستاذ في مركز دانيال إينوي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ للدراسات الأمنية، (مقره هاواي)، ألكسندر فوفينغ: «التحدي في المقام الأول، على الاستخدام المزدوج في الصين للتكنولوجيا، في المجالين المدني والعسكري، حيث تعمل الحكومة الصينية على الاستفادة من القطاع الخاص في دفع برنامجها للتحديث والتطوير العسكري، كما أن الحكومة الصينية تنفق أموالا ضخمة في البحث والتطوير».
وكانت شركة (Booz) للاستشارات التكنولوجية قد أشارت الشهر الماضي، إلى أن الصين في غضون عقد، قد تتمكن من خلال استخدام «المحاكيات الكمومية»، من اكتشاف مواد وأدوية ومواد كيميائية جديدة، ذات قيمة اقتصادية.
وكانت مجلة Nature العلمية، قد أوضحت أن جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية، قدمت العام الماضي، أول عرض نهائي لاستغلال ميكانيكا الكم في الحسابات التي ستكون بطيئة للغاية على أجهزة الكمبيوتر المعتادة، ويأتي ذلك بعدما أعلنت Google وNASA، عن الوصول إلى ما وصفوه بـ«السيادة الكمومية» في عام 2019.
وبالنسبة لقدرات الصين في التكنولوجيا الكمومية، ذكر موقع «تشاينا ديلي» الإخباري الصيني في شهر سبتمبر الماضي أن البلاد حققت سلسلة من الاختراقات في التكنولوجيا الكمومية، بما في ذلك أول قمر صناعي كمي في العالم، وخط اتصال كمي بطول ألفي كيلومتر بين بكين وشنغهاي، وأول آلة حوسبة كمومية ضوئية في العالم، بينما لم تتطرق إطلاقاً إلى الاستخدامات في المجال العسكري في الصين.
واللافت بحسب التقرير، إلى أنه إذا كانت الصين تقطع شوطاً كبيراً في مجال الحوسبة الكمومية، فإن تحالف «أوكوس» (أمريكا وبريطانيا وأستراليا) يشمل أيضاً التعاون في مجال الحوسبة الكمومية ضمن مشاركة التكنولوجيا العسكرية.
من جانبها، فإن واشنطن تسعى وبكل قوة للريادة في مجال التكنولوجيا الكمومية، حيث كان البيت الأبيض، والمؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم، ووزارة الطاقة الأمريكية، قد أعلنوا عن تخصيص 625 مليون دولار، على مدى 5 سنوات، للبحث والتطوير في المجالات الكمومية، حسبما ذكرت الرابطة الصناعية للدفاع الوطني الأمريكي (رابطة تجارية لحكومة الولايات المتحدة والقاعدة الصناعية الدفاعية).