شيخ سوريّ مسن، عمره 95 سنة، ويدعى اسماعيل الزعيم.
الشيخ اسماعيل يعيش في السعودية منذ زمن طويل. لحيته الطويلة البيضاء توحي أنها رسائل متدفقة من المحبة والأخوة والعطاء. وتجاعيده عقدت بالحنية قطبة قطبة. يجلس يومياً أمام الجامع، منذ أربعين سنة، ليوزع مجاناً التمر والحلوى على كل المارة والمصلين والمحتاجين في الحرم.
لا يكتفي الشيخ اسماعيل بذلك بل يقدم أيضاً للمارة أكواباً من الشاي والقهوة، يحفظها داخل عدة أجهزة تخزينها ساخنة، ويوزعها بترتيب على مائدة كبيرة، ويرصف إلى جانبها كباياته الصغيرة. يؤكد بحرارة وبقناعة كاملة أن حلوياته لله وهي من خيره. وقد نذر نفسه وحياته له. لا ينتظر أي رد أو شكر أو مكسب مادي من أحد. وكأن سعادته تنبع من عطائه وسلامه يكتسبه من محبته للمحتاجين، ورزقه من دعائهم. يوزع كل ما يملؤه في 120 ثلاجة عند باب الحرم ويساعد في ذلك أبناؤه. يتربع على الأرض ويبدأ بخدمة الناس من الصباح حتى المساء. الشيخ اسماعيل وأمثاله انعكاس للجمال السماوي على الأرض. من ينظر إليه يوقن أن الخير لم يزهد بدنياه. وأن المحبة ما زالت ممكنة رغم شحها.
مثابرته على فعل الخير كل تلك السنوات هي قمة العطاء وأعلى مراتب المحبة. لقد أعطى بكرم نادر ولم يمل من خدمة المحتاجين بل وهب حياته كاملة للآخرين. تلك التضحية جعلت في وجهه نوراً لا يخفى وحصد مكانة كبيرة في قلب كل من عرفه . هكذا حظي بمحبة الناس وثقتهم لطيب نفسه فأضاءت روحه. ألا يقول المثل الصيني:
مثلما يعود النهر إلى البحر هكذا يعود عطاؤك إليك.
ويُقال إن للعطاء درجات كثيرة، ومن أبرزها النمو فيه إلى أن يصبح أسلوب حياة، كما كانت حياة شيخنا.
ويا ليت العطاء وباء ينتشر، تماماً كما انتشر وباء كورونا، لكنا قضينا على الفقر والتشرد والعوز والمرض وضمنا استمرارية الأمم، ولاختفت الكثير من الجرائم ولكان اصطلح حالنا.
ولكن أمثال الشيخ اسماعيل قليلون جداً مقارنة بعدد اللصوص والمرتشين والمنافقين والفاسدين المكدسين في كل أنحاء البلاد. كوكبنا موبوء جداً ولا أمل إلا بهجره والاستيطان في كوكب اخر.