فبعد أن سوّق الملياردير الأميركي في نهاية 2022، بأن شركته “نيورالينك” باتت على بعد أشهر قليلة من حصولها على الموافقة لبدء زرع شرائحها في أدمغة البشر لأهداف طبية، أتى جواب هيئة الغذاء والدواء الأميركية الرافض، بمثابة “نعي” لهذا الطموح، واضعة شروط أقل ما يمكن القول عنها، إنها تعجيزية وهو ما يراه الخبراء كفيلاً بتأخير إطلاق هذه التقنية لعشرات السنوات.

ويقول الباحث في شؤون التكنولوجيا ألان القارح  إن ما حصل كان متوقعا ويعود لسببين، الأول هو أن هذه المسألة تعتبر أمرا غير أخلاقي بالنسبة للكثيرين، الذين يرون أن هذه الرقائق ستتحول إلى أداة لمراقبة العقل البشري والتحكم به، أما السبب الثاني فهو المخاطر الصحية التي قد تتسبب بها الشرائح.

ويشرح القارح أن موافقة هيئة الغذاء والدواء الأميركية على طلب شركة ماسك، كانت ستعني بداية ربط العقل البشري بالآلة، وهو أمر لا يمكن للهيئة تحمل تبعاته، خصوصا بعد موجة الخوف التي أحدثتها برامج الذكاء الاصطناعي المطورة، مثل “شات جي بي تي” واحتمال تأثيرها على دور البشر.

وأشار إلى أن اقتحام الشرائح الذكية لأدمغة البشر، في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي، كان سيحدث زلزالا تقنيا مخيفا، فشركة “نيورالينك” تعمل على تطوير تكنولوجيا عصبية قادرة على تحويل الأفكار إلى أفعال عن طريق الاتصال المباشر بين شريحة يتم زرعها بدماغ الإنسان، وتتلقى الأوامر من الحاسوب.

ويرى القارح أنه رغم تبرير هيئة الغذاء والدواء الأميركية قرارها الرافض بعدم جهوزية التقنية من الناحية الطبية، إلا أن الشروط التعجيزية التي وضعتها لبدء اختبار التقنية على البشر، تدل بشكل واضح أن هناك قراراً حاسماً بعدم السماح بتاتاً، باختراق الشركات التقنية لأدمغة البشر حتى لو لأهداف طبية، مشيرا إلى أن هيئة الغذاء والدواء الأميركية طلبت من نيورالينك التأكد من مخاطر بطارية الليثيوم على أنسجة الدماغ، ومدى إمكانية أن تتسبب الأسلاك الدقيقة بالتهاب في الدماغ، إضافة إلى التأثير السلبي لارتفاع حرارة الشريحة ومدى إمكانية إزالتها من الدماغ دون أضرار، حيث أن الحصول على أجوبة علمية على هذه الشروط يحتاج لاختبارات ودراسات تستمر لعشرات السنوات.

من جهته، كشف الرئيس التنفيذي لشركة “تكنولوجيا” مازن دكاش أن شركة “نيورالينك” ستُظهر أنها ستلبي طلبات هيئة الغذاء والدواء الأميركية، وأن الأمور تسير بشكل صحيح، خوفا من هروب المستثمرين، لكن الحقيقة التي تعرفها الشركة هي أن ما كانت تعمل عليه لن يرى النور في المدى المنظور، لافتا إلى أن هيئة الغذاء والدواء الأميركية تعمل وفقا لمعايير طبية عالية، ولا يمكنها منح الإذن إن لم تكن متأكدة من أن هذه التقنية لن تتسبب بوفاة أو بأي ضرر لمستخدميها.

التحكم بالعقول؟

ولفت الدكاش إلى أنه رغم تركيز ماسك على أن مشروع نيورالينك، سيساعد بإعادة العمل بوظائف بعض الأعضاء الحيوية، التي تعرضت للتلف مثل البصر والحركة، إلا أن هناك مخاوف حقيقية من الأبعاد الخطيرة، التي قد تنتج عن عملية اختراق الشركات التقنية لدماغ الانسان، فإمكانية تحويل الشريحة الى أداة للتجسس، أو حتى للتحكم بالعقول، من قبل بعض المهووسين بالتكنولوجيا هو أمر ممكن، وبالتالي فإن هذه النقطة “التقنية”، تشكل أيضاً عائقاً كبيراً أمام إقناع العلماء والأطباء، وحتى الناس العاديين، بالقبول بما تطرح شركة ماسك.