مثّل اتفاق إعادة العلاقات بين السعودية وإيران مفاجأة، وسط تساؤلات تتوالى حول مصير المشاورات بين الرياض وجماعة الحوثي اليمنية، والجارية في مسقط برعاية عُمانية، عقب هذا التطور.
وأكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، يوم الخميس الماضي، استمرار النقاشات مع الحوثيين في مسقط، والتي قال إنها تأتي ضمن مسارات تفاوضية متعددة مدعومة من الأمم المتحدة، من أجل الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، تمهيداً لعملية سياسية يمنية شاملة لإنهاء النزاع الذي طال أمده في البلاد.
“عدنان هاشم: من شأن الاتفاق تسريع المحادثات السعودية مع الحوثيين بشكل أكبر”
وقال الوزير السعودي، للصحافيين في موسكو، إن اهتمام بلاده منصبّ حالياً على إيجاد سبيل لوقف القتال بشكل دائم، ومن ثم إطلاق حوار يمني يضمن استقرار واستقلال وازدهار اليمن.
وعقب الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني، سارعت واشنطن إلى الترحيب به. وربط تصريح لمتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بين الاتفاق وجهود إنهاء الحرب اليمنية، قائلاً إن الولايات المتحدة ترحب “بشكل عام بأي جهود من شأنها إنهاء الحرب في اليمن”.
بيان يمني حذر
كما أعربت الحكومة اليمنية، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، صِيغ بحذر شديد، عن أملها في أن يشكل الاتفاق “مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة، بدءاً بكفّ إيران عن التدخل في الشؤون اليمنية، وألا تكون موافقتها على هذا الاتفاق نتيجة للأوضاع الداخلية والضغوط الدولية التي تواجه النظام الإيراني”.
وأكد البيان إيمان الحكومة “الصادق بالحوار، وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية والوسائل السلمية، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ودعم أي توجّه جدي ومخلص يحمل نوايا حسنة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وقالت الحكومة إن موقفها “يعتمد على أساس الأفعال والممارسات لا الأقوال والادعاءات، ولذلك ستستمر في التعامل الحذر تجاه النظام الإيراني، حتى ترى تغيراً حقيقياً في سلوكه، وسياساته التخريبية في بلادنا والمنطقة”.
وكانت جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) رحبت ضمنياً بالاتفاق. وقال المتحدث الرسمي باسمها محمد عبدالسلام إن “المنطقة بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها، تسترد بها الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية”.
وأضاف أن على رأس تلك التدخلات “الصهيوأميركية، التي عملت على الاستثمار في الخلافات الإقليمية واتخذت الفزاعة الإيرانية لإثارة النزاعات وللعدوان على اليمن”، حسب تعبيره.
من جانبه، رحب المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، بالاتفاق الذي وصفه المتحدث باسم المجلس علي الكثيري، في بيان، بـ”التطور الإيجابي”، معبراً عن أمله في “أن يسهم ذلك في توطيد الأمن والاستقرار في منطقتنا والعالم”.
تسريع المحادثات السعودية مع الحوثيين
ورأى الصحافي والباحث اليمني عدنان هاشم أن “من شأن هذا الاتفاق أن يسرع المحادثات السعودية مع الحوثيين بشكل أكبر”، مشيراً إلى أن عدم ورود نص في الاتفاق حول اليمن لا يعني تجاهل الملف.
“محمد المحيميد: من المبكر جداً الآن الحديث عن انتهاء الأزمة في اليمن بشكل جذري”
وأشار هاشم إلى أن “مثل هذه الاتفاقات لن يذكر فيها اليمن بشكل مباشر، لأنه اتفاق بين بلدين، ويتعلق بتفعيل الاتفاقية الأمنية التي أبرمت في عهد الرئيس (محمد) خاتمي وإعادة السفارات، لكن اليمن هو المعضلة الرئيسية بالنسبة للسعودية، وكان للملف اليمني دور كبير في قرار قطع العلاقات عام 2016”.
وأضاف: “أعتقد جازماً، وبناء على الإشارات في المفاوضات التي كان العراق يرعاها، أن نقاشاً طويلاً يتعلق باليمن دار في مفاوضات البلدين، وهو نقاش سيغير شيئاً كثيراً بالنسبة لوضع الإيرانيين في اليمن”.
وبحسب هاشم، فإن “الاتفاق إيجابي ومهم جداً، وكان محل انتظار المراقبين لتهدئة المخاوف في المنطقة، وهو جزء من مهمة استعادة الأمن الإقليمي”. وأضاف أن “إيران والسعودية دولتان كبيرتان ومؤثرتان في المنطقة، خصوصاً في السياسة اليمنية والدول التي تعاني من مشاكل سياسية داخلية”.
وتابع: “يبدو أنه تم الاتفاق في ما يتعلق بالسفارات أن تفتح خلال شهرين، وخلال هذين الشهرين أعتقد أنه منوط بإيران أن تنفذ شيئاً فيما يتعلق بالملف اليمني”.
لكن الاتفاق وإن كان سيقدّم شيئاً في الملف اليمني إلا أنه ليس وصفة سحرية للحل، وفق هاشم، فـ”الموضوع أكثر تعقيداً”، وهو ما يراه كثير من المراقبين الذين لا يعولون كثيراً على الاتفاق في حل نهائي للأزمة، نتيجة التباين الشديد بين أطراف الأزمة الداخلية، وفشل أي من الأطراف في حسم الحرب لصالحه.
المنطقة لم تعد تحتمل الصراع
من جهته، اعتبر الناشط السياسي اليمني محمد المحيميد، “الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية تتويجاً لأشهر طويلة من المفاوضات في بغداد ومسقط، وهو دليل على أن المنطقة لم تعد تحتمل صراعاً أطول بين البلدين الكبيرين”.
وأضاف المحيميد: “بما أن إيران هي الطرف الذي أشعل هذا الصراع في أكثر من بلد عربي، كاليمن والعراق وسورية ولبنان، فهذا الاتفاق يعني أنها هي من سعى إليه بعد أن أُرهقت سياسياً واقتصادياً منذ نحو عشر سنوات”.
وتوقّع المحيميد أن “نشهد تسوية سياسية في الملف اليمني قريباً”، كنتيجة لهذا التقارب والذي “سينعكس مباشرة على أكثر من بلد عربي، واليمن في المقدمة. فكما هو معلوم فإن مليشيات الحوثيين تتلقى الدعم السياسي والعسكري من إيران منذ عقود للإضرار بالسعودية، وهذا الاتفاق يعني أن إيران ستلتزم وتلزم مليشيات الحوثي بالتهدئة”.
لكن الأسئلة التي ستظل عالقة، وفق المحيميد، هي “ما نوع التسوية التي قد نشهدها؟ وما مدى الضغط الذي ستمارسه إيران على حلفائها؟ وما مدى تجاوبهم؟”، مضيفاً أنه “من المبكر جداً الآن الحديث عن انتهاء الأزمة في اليمن بشكل جذري، فجماعة الحوثي عوّدتنا على عدم الالتزام بأي اتفاقات محلية أو إقليمية أو دولية”.
وختم المحيميد حديثه بالقول إن “الأشهر المقبلة كفيلة بتوضيح ما إذا كان التقارب السعودي الإيراني خطوة رئيسية لحل المعضلة اليمنية، أم أنها استراحة محارب قبل اندلاع الحرب مجدداً”.