كتاب «الألعاب والألغاز الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، هو من أهم مؤلفات نجيب عبد الله الشامسي، صدر الكتاب لأول مرة عام 1991، عن دار الدراسات والاستشارات والنشر في الشارقة، ثم في طبعة ثانية عن ذات الدار في عام 1998، ويقدم هذا الكتاب تتبعاً وغوصاً عميقاً حول كيفية ممارسة الألعاب الشعبية في الإمارات في الزمن الماضي، ويعرف بتراث الدولة الشعبي، ويقدم إضاءات مهمة في ذلك الاتجاه، ويرصد وقائع المجتمع اليومية وعاداته وتقاليده الاجتماعية والثقافية التي تنتج تلك الألعاب وغيرها من الطقوس الشعبية.
الكتاب يقع في 221 صفحة من القطع الكبير، وتشير مقدمته إلى أن لكل أمة تراثها الشعبي الذي تتوارثه عبر الأجيال، كما أن كل مرحلة من تطور وتاريخ الأمة تفرز إضافة خاصة بها إلى هذا التراث وفقاً للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ويستخدم المؤلف منهجاً يرصد تاريخ تلك الألعاب وكيف جاءت؛ إذ إن دولة الإمارات مثل بقية الشعوب الأخرى لها من موروثها الشعبي ما يميزها ويمنحها خصوصية ثقافية، وما يؤكد صلتها العميقة ببقية الشعوب الأخرى في الوقت نفسه، ويؤكد الكتاب أن هذه الخصوصية لا تعني انغلاق التراث على ذاته؛ إذ إنه رافد من روافد الثقافة العربية والإسلامية والإنسانية؛ من حيث التأثير والتأثر.
تعاون
ويلفت الكتاب إلى أن الألعاب الشعبية هي جزء من التراث الإماراتي، وشكل من أشكال الأدب الشعبي، ومن خلالها تتضح خصوصية هذا الموروث بتميز ألعابه الرياضية الحركية والذهنية المتمثلة في الألغاز الشعبية؛ حيث إن تلك الألعاب المختلفة مارستها أجيال مختلفة من المجتمع الإماراتي، ولم يكن الهدف منها فقط تنشيط الجسم ورعاية موهبة الفرد؛ بل عملت كذلك على تنمية العلاقات الاجتماعية وتجسيد روح الأخوة والتعاون، وتأصيل إرادة المثابرة والمغامرة وخلق التوازن النفسي، ويتعمق الكتاب كذلك في دراسة الألعاب المشتركة في مختلف أنحاء العالم العربي، على الرغم من اختلاف المسميات هنا وهناك، تجسيداً لروح الوحدة العربية من حيث تشابهها ومصادر نشأتها.
كما يشير المؤلف إلى أن أهمية دراسة تلك الألعاب، ينبع من كونها متصلة بحياة الطفولة وشؤونها في الوقت الحاضر، فتلك الألعاب تعكس خصائص هؤلاء الصغار في الماضي، بالتالي تسهم في عملية صياغتهم وتربيتهم في الوقت الراهن، لكونها مستمدة من قيم المجتمع وعاداته وتقاليده.
فوائد فكرية
يغوص الكتاب في العديد من الفوائد الفكرية والنفسية والروحية لهذه الألعاب التي كانت تمارس من قبل الصغار والشباب في ظل منافسة شريفة وفي مناخ عفوي وأسري خال من الخلافات، الأمر الذي يعكس قوة المجتمع في ذلك الوقت ومدى تماسكه وتضامنه، وهي قيم يدعو المؤلف إلى ضرورة عودتها وترسيخها مرة أخرى عبر الطرق عليها، واستلهامها من قبل القائمين على أمر التربية والتعليم، حتى يحدث اتصال بين الأجيال الحالية وماضيهم وثقافتهم، في ظل سيادة ثقافة الاستهلاك في الوقت الراهن، الأمر الذي يؤثر في تنشئة الأطفال.
والكتاب ينقسم إلى أربعة فصول، تتحدث عن تلك الألعاب بمختلف أنواعها، وكيفية ممارستها ومسمياتها، مدعماً بالصور والرسوم التوضيحية والشرح الوافي، ففي الفصل الأول يستعرض الكتاب سمات وخصائص الألعاب الشعبية بأشكالها المختلفة سواء كانت الحركية أو الذهنية، بينما يتناول في الفصل الثاني «الأبعاد التعليمية والتربوية والنفسية للألعاب الشعبية» في حين خصص الفصل الثالث ل«تصنيف الألعاب الشعبية»، بينما تناول الرابع «شرح وتقسيم الألعاب الشعبية»، وتنقسم تلك الألعاب إلى نوع للبنين وآخر للبنات، بينما هناك ما هو مشترك ويجمع بين الجنسين.
وتضم مجموعة ألعاب الصبية، «التيلة، الهول، النشابة، الكرته، الزبوت، ديك ودجاجة، القبة، حبيل الزيبل، الحلة، العربانة، المواتر، الحَمِير، غزالة ميالة، الطولة، هيه يا رمّة، الخيالة، هوريد، الصّوير، كرة صلاخ، اللّنشات، كرة السيطان، الشبر، خبز رقاق، كاردي، المفتاح، الحُوم، الحالوسة، شبير، محارس، الكشاطي، الفشيه، الكربة، الطرة، الصخامة، مسابق، خِيبز، امصارع، القوطي، المدافع».
بينما تشتمل ألعاب الفتيات على: «أنا الذيب باكلكم، الكرّابي، المحاماة، الجِحيف، يوم الجمعة، خُكُوه خُكُوه يا جبدي، اليحف، خوصَه بُوصَه، المريحانة، الحصية، صندوق بندوق، اليفيرة، القراحيف، أم الأربع، العراش، الحبل، أم الخال».
وإلى جانب تلك الألعاب الجسدية والحركية الرياضية، فقد تناول الكتاب كذلك الألغاز الشعبية والفوازير، والأوقات التي تمارس فيها، وكذلك استعرض أنواعاً وأشكالاً من الهوايات الشعبية المتمثلة في الصيد البري، صيد الطيور البرية، سباق الهجن، سباق القوارب.
سمات
ويتناول المؤلف في الكتاب، سمات تلك الألعاب الشعبية من خلال انقسام مجتمع الإمارات إلى ثلاث بيئات، هي الساحلية والريفية والبدوية الصحراوية؛ حيث تعد تلك الألعاب مظهراً ثقافياً للمجتمع، لما تتسم به من مميزات تجعلها وجهاً حضارياً يعكس الواقع الاجتماعي، ويفصل الكتاب تلك السمات حيث يبرز منها: حرية ممارسة الألعاب، وغياب الحوافر المادية، ووجود قوانين وقواعد تحكم تلك الألعاب، وتأثير البيئة عليها، وروح الإبداع والابتكار فيها، وكذلك تعد مستودعاً للأغاني والأهازيج الشعبية، كما أنها تتشابه مع ممارسات وألعاب أخرى حول العالم.
ونجيب عبد الله الشامسي، من مواليد رأس الخيمة، هو مثقف وباحث في مجالات عدة، وعلى الرغم من تخصصه في الاقتصاد، فإن له حضوره المميز في الساحة الثقافية الإماراتية، فقد كان ضمن المؤسسين لنادي ابن ظاهر للثقافة والشطرنج برأس الخيمة، وكذلك من مؤسسي مسرح رأس الخيمة الوطني، وعضو في كل من اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، والأمانة العامة لاتحاد الكتّاب العرب، وله العديد من الإصدارات المهمة في المجال الأدبي والثقافي والتراثي، مثل: «الإمارات في سفينة الماضي»، و«المشهد الثقافي في الإمارات»، إلى جانب عدد من المسرحيات مثل: «كش ملك»، و«جلفار»، وغير ذلك من الكتب والإصدارات.