لا شك أننا ما خلقنا إلا لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، كما قال الله تعالى: {مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون}، فجميع وقت المسلم في يومه وليلته يكون عبادة وطاعة لله تعالى، إلا تلك الأوقات المنهيّ عن الصلاة فيها، ومن أفضل الأوقات التي يتقرَّب بها العبد إلى خالقه وقت جوف الليل، وتُعَدّ الصلاة من أفضل الأعمال التي يُمكن للعبد المُسلم التقرُّب بها إلى الله في شهر رمضان، فهو شهر الصلاة والقيام، ففيه تقام صلاة التراويح والعديد من الصلوات الأخرى، والتي تُعد من السنن، ويصليها المسلمون محتسبين الأجر عند الله تعالى.
الشيخ مرضي شرف الدين، الإمام والخطيب بالأوقاف المصرية؛ يخبرنا عن الفرق بين صلاة التراويح وصلاة التهجد وصلاة القيام.
يقول الشيخ مرضي: تُعَدّ الصلاة من أفضل الأعمال التي يُمكن للعبد المُسلم التقرُّب بها إلى الله في الشهر الفضيل، فهي الرُّكن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الإسلام، وقد كان النبيّ (ﷺ) يحثّ الصحابة على أدائها في رمضان؛ كصلاة التراويح أو صلاة قيام الليل، وقد بيّن أنّ قيام رمضان من الأسباب التي تُكفّر الذنوب، فقال: (من قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر لهُ ما تقدَّم من ذنبهِ)، وصلاة التراويح من السُّنَن المُؤكَّدة التي تُؤدّى في جماعة، وتكون في أوّل الليل.
- صلاة التهجد وقيام الليل
يقول الشيخ مرضي شرف الدين إن صلاة التهجد وقيام الليل اسمان لمعنى واحد؛ وهو صلاة النافلة في الليل بعد غروب الشمس وقبل طلوع الفجر، والتهجد من الصلوات التي يحبها الله عزّ وجلّ، خاصة أن العبد يتضرع فيها إلى المولى سبحانه وتعالى ويلحّ له بالدعاء، فالله عز وجلّ يحب العبد اللحوح في الدعاء، ومن أفضل الأوقات التي يتقرَّب بها العبد إلى خالقه وقت جوف الليل، ومن العبادات التي تُؤدّى فيه ما يُعرف بالتهجد وهو القيام؛ أي بعد الاستيقاظ من النوم، وقيام الليل يكون قبل النوم وبعده، فكل تهجد قيام ليل وليس العكس، والليل كله محل للقيام، فلو قامه كله كان محسناً، ولو قام أوله ثم قام في آخره؛ فلا حرج في ذلك، ولا وجه لمنعه، وهو ما اجتمع عليه المسلمون من أزمنة بعيدة، يفعلون ذلك تخفيفاً وتيسيراً، ولا فرق بين عدد ركعات صلاة التهجد، وعدد ركعات صلاة قيام الليل.
- صلاة التراويح
تعتبر صلاة التراويح من شعائر الإسلام العظيمة التي تُؤدّى في شهر رمضان المبارك، وقد أجمع العلماء على أنّها سُنّة مُؤكّدة، وتسمى التراويح؛ لأنهم كانوا يستريحون فيها بعد أربع ركعات.
فهي تطلق عند العلماء على قيام الليل في رمضان أول الليل، مع مراعاة التخفيف وعدم الإطالة، ويجوز أن تسمى تهجداً، وأن تسمى قياماً لليل، ولا مشاحَّة في ذلك، ويرى جمهور الفقهاء أن وقت صلاة التراويح يكون من بعد صلاة العشاء، وقبل صلاة الوتر؛ لأنّها سُنّة تابعة للعشاء، ويمتدّ وقتها إلى قبل طلوع الفجر؛ لفعل الصحابة، وقد نُقِل ذلك عنهم، ومن صلّاها بعد المغرب وقبل العشاء؛ فإنّها لا تُجزأ عن التراويح، وتكون بمقام النافلة، وهي تُصلّى إحدى عشرة ركعة؛ لفعل رسولنا الكريم (ﷺ)، فقد ورد عنه أنّه كان لا يزيد في رمضان، ولا في غيره عن ذلك، وقد وصفت السيّدة عائشة صلاة النبيّ في رمضان، فقالت: (ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً)، ومن زاد على ذلك فهو جائز.
- الفرق بين صلاة التهجد وقيام الليل والتراويح
يقول الشيخ مرضي إن الفرق بين صلاة التهجد وقيام الليل والتراويح في أن جميعها تتشابه في الحد الأدنى للركعات، وهما ركعتان فقط، وفي رواية أخرى أن صلاة قيام الليل تكون بعد النوم ثم القيام مرة أخرى؛ بمعنى أن المسلم ينام فترة من الليل ثم يقوم مجدداً للصلاة، وإن كان ذلك القيام في آخر الليل؛ أصبح اسمه التهجد، وتعوّد المسلمون على أداء تلك النوافل في شهر رمضان المبارك؛ تقرباً من الله سبحانه وتعالى.
الصلاة في الليل تُسمَّى تهجداً، وتُسمَّى قيام الليل، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}، وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} صدق الله العظيم.
والفقهاء اصطلحوا على أن صلاة التهجد تعني صلاة التطوع في الليل بعد النوم، ويؤيد ذلك ما رواه عن الحجاج بن عمرو رضي الله عنه – صاحب رسول الله (ﷺ)، قال: «أبحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد؟ إنما التهجد أن المرء يصلي الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، وتلك كانت صلاة رسول الله (ﷺ). وأيضاً الفرق بين صلاة التهجد وقيام الليل والتراويح؛ أن البداية بصلاة التراويح التي تكون بعد العشاء مباشرة، فالتراويح تُطلق عند العلماء على صلاة قيام الليل في رمضان، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلى التراويح 11 ركعة، وكان يقيم الليل حتى تتورم قدماه.
والحقيقة أنه لا فرق بينهما، فالتراويح من قيام الليل، وأن قوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) يشمل التراويح، فإنها من القيام بلا شك، والمفهوم الشرعي أن القيام والتراويح أصلهما واحد؛ وكلاهما قيامٌ الليل، لكن القيام المعروف عند الناس يطال فيه الركوع والسجود؛ لأنه غالباً يقع في آخر الليل، وآخر الليل ينبغي فيه الإطالة، ليتمكن الناس من الدعاء بما يريدون، فإن آخر الليل وقت الإجابة، لقول النبي (ﷺ): “ينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر”.