أكد خبير وباحث قطري أن الذكاء الاصطناعي لن يحل مكان البشر ولا يهدد ملايين الوظائف، مثلما ذهبت إليه بعض التقارير، مشيراً إلى أن التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تسهم أو تؤثر في الوظائف لا أن تهددها، معتبراً أن الذكاء الاصطناعي سيكون زميل عمل.
وجاءت المداخلة خلال فعالية نظمتها مكتبة قطر الوطنية ضمن سلسلة فعاليات “الصالون الثقافي”، بالشراكة مع جامعة حمد بن خليفة. وسلطت جلسة الصالون الثقافي الضوء على موضوع الذكاء الاصطناعي من منظور العلم وتحدّيات العمل والأخلاق بمشاركة خبراء وأكاديميين متخصصين في علوم الحوسبة والأخلاقيات. وناقشت الجلسة، التي تفاعل معها جمهور نخبوي واسع، التحديات والفرص والاعتبارات الأخلاقية المترتبة على استخدام الذكاء الاصطناعي وتأثيره في إعادة تشكيل عالمنا على مختلف الأصعدة المهنية والمجتمعية والثقافية.
اعتبر الدكتور حمد بن عبد العزيز الكوّاري، الذي شغل منصب وزير الثقافة سابقا، وهو وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية حاليا، “أن الصالون الثقافي لمكتبة قطر الوطنية بدأ يشقّ طريقه بنجاح، ويؤكّد دوره منبراً حوارياً وفكرياً ملهماً في المشهد الثقافي القطري”. وأضاف “أن الصالون الثقافي يرسّخ مكانة مكتبة قطر الوطنية مؤسسة ثقافية مبادرة وفاعلة وسبّاقة إلى مناقشة أبرز التوجّهات والتطوّرات والقضايا في مختلف مناحي المعرفة على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية”.
وقال الدكتور الكوّاري إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي صارت الشغل الشاغل والحديث الدائم لمختلف وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا ومحركات البحث، وحفز ذلك مكتبة قطر إدراكًا منها لأهمية هذه التقنية واستشرافًا لآفاقها الرحبة والواسعة لتثقيف المجتمع وتوعيته بأهم التطوّرات التي تؤثر على مختلف أفراده سواءً في العمل أو الدراسة أو الأنشطة الحياتية اليومية.
وأكد “أن جلسات الصالون الثقافي باتت قناة تواصل إيجابية وثرية بين الخبراء والمتخصصين والجمهور، وتتيح لأفراد المجتمع ليس فقط الاستماع إلى الخبراء، بل ومحاورتهم ومناقشة أفكارهم وعرض وجهات نظرهم وآرائهم حول القضية أو موضوع المناقشة في جلسات الصالون الثقافي”.
تحدّث في جلسة “الصالون الثقافي” التي أدارها الدكتور أحمد المقرمد، مدير معهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، كلٌ من: الدكتور غانم السليطي، خبير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بمعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، والدكتور محمد غالي، أستاذ الدراسات الإسلامية وأخلاقيات الطب الحيوي، في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة.
وخلال الجلسة قدم الدكتور أحمد المقرمد نبذة وخلفية عامة حول تطوّر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتعقيداته وأهميته وتأثيراته المحتملة. وقال “إن الذكاء الاصطناعي يهدف إلى تصميم وبناء أنظمة قادرة على تنفيذ مهام متنوعة بالاعتماد على قدرة الآلة على التعلّم الذاتي واتخاذ القرارات بشكل مستقل”. وأشار إلى “أن المجتمعات اليوم تستخدم الذكاء الاصطناعي في العديد من أنشطتها الحياتية اليومية، فقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في الكثير من المجالات ومنها السيارات ذاتية القيادة التي كانت ضربًا من الخيال قبل عدة سنوات. وأسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع وتيرة إنجاز كثير من الأعمال الروتينية، وتمكين الإنسان من نقل تركيزه إلى مراقبة الجودة وتحسين تخصيص الموارد والإنتاجية، وتحليل الأخطاء والتحسين المستمر للعمليات وإتاحة مجال أكبر للإبداع بدلًا من تكرار العمليات الروتينية”.
وبدوره ركز الدكتور غانم السليطي، الخبير في المجال، على تأثير الذكاء الاصطناعي في المهن المختلفة، ومنها الطب والقانون والتعليم والهندسة والتصميم والمحاسبة. وقال “إن الذكاء الاصطناعي أداة لتطوير وتعزيز القدرات والوظائف البشرية وليس لإحلالها، على سبيل المثال، قد يستخدم الطبيب برنامجًا للذكاء الاصطناعي للمساعدة في اكتشاف المشكلات الصحية لدى المرضى، وقد يستخدم المعلّم الذكاء الاصطناعي لمساعدة كل طالب على التعلّم بطريقته الخاصة، وفي هذه الحالات، لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الموظفين، بل يصبح أداة مفيدة تساعدهم على أداء وظائفهم بشكل أفضل”. وأضاف: “تشير الدراسات والتقارير الحديثة إلى أن الوظائف المكتبية للمهنيين المتخصصين سوف تتأثر بالذكاء الاصطناعي أكثر من وظائف العمّال، ومع تطوّر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ستظهر وظائف لم تكن موجودة من قبل مثل الحاجة إلى خبراء في صيانة أنظمة الذكاء الاصطناعي وتدريبها وأخلاقيات استخدامها، الأمر الذي سيؤدي إلى نشأة صناعات ومهن جديدة”.
ثم استعرض الدكتور محمد غالي، في صالون مكتبة قطر الوطنية، الجوانب الأخلاقية
للذكاء الاصطناعي. واعتبر الباحث المهتم بالعلاقة بين العلم والجوانب الأخلاقية أن: “النقاشات الشرعية والأخلاقية حول موضوع الذكاء الاصطناعي، لا تزال في بداياتها، ومعظم ما صدر إلى الآن مجرّد فتاوى موجزة ردًا على أسئلة واستفسارات حول قضايا جزئية”. وقال إن “المبادئ الحاكمة المتداولة حاليًا (مثل العدالة والشفافية واحترام الخصوصية إلخ)، قد جرت صياغتها بشكل عام وفضفاض للغاية حتى لا يكاد يختلف معها أحد تقريبًا، بما في ذلك شركات التكنولوجيا العملاقة”.
ثم أضاف في الجلسة الثانية للصالون: “إن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستضفي المزيد من التعقيد على المسائل الأخلاقية، والسيناريو الأسوأ هو أن يتحوّل “إنتاج المعرفة” إلى سوق تجاري تتحكم فيه الشركات الضخمة للتكنولوجيا، لأنها ستتمكّن من الحصول على أكبر قدر ممكن من الملكيات الفكرية، وهذا التطوّر سيشكّل تحديات جسيمة ليس فقط على مستوى المبادئ الأخلاقية الكبرى، بل أيضًا أمام تطبيقها على أرض الواقع بما يتفق مع ثقافات الشعوب ومعتقداتها الدينية”. ودعا الباحث عموم الناس إلى التسلح بالوعي بمثل هذه المخاطر وأن ينتج عن ذلك ضغط على هذه الشركات لتغيير سلوكها إزاء هذه الجوانب الأخلاقية.
وفي جلسته الثانية، ساهم الصالون في إتاحة ملتقى إيجابي وثري لتبادل الأفكار ووجهات النظر حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتأثيراته على المجتمعات في العالمين العربي والإسلامي.
ويعد “الصالون الثقافي” مبادرة مكتبة قطر الوطنية لتحقيق رسالتها الساعية لتمكين المواطنين والمقيمين من التأثير الإيجابي في مجتمعهم عبر توفير بيئة استثنائية للتعلّم والاستكشاف. ويهدف الصالون إلى إتاحة منبر فكري وحوار مفتوح بين نخبة المتخصصين والجمهور العام بما يثري المشهد الثقافي ويعزز الوعي المجتمعي بأهم القضايا والتوجّهات المعاصرة.